وضع داكن
16-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 016 ب - اسم الله القريب 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

صيغة يسألونك في القرآن الكريم:


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم القريب، والآية التي ورد فيها اسم القريب:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة ]

وقبل أن نقف عند تفاصيل هذه الآية لابد من التنويه إلى أن في القرآن الكريم عدداً ليس بالقليل من الآيات يبدأ:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾

[  سورة البقرة ]

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة ]

آيات كثيرة هذه صيغتها: ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ ويأتي الجواب: ﴿قُلِ﴾ إلا في هذه الآية الوحيدة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ ليس هناك: فقل، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ استنبط العلماء أنه ليس بين الله وبين عبده وسيط أبداً، إذا قلت: يا رب تبت إليك، يقول الله لك: وأنا قبِلت يا عبدي. 
 

العمل الصالح وسيلة والعلم وسيلة وإنفاق المال وسيلة:


لكن الآية الأخرى التي تقول: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)﴾

[ سورة المائدة ]

ما معنى الوسيلة في هذه الآية؟ قال العلماء: الوسيلة هي العلم، اطلب العلم كي تعرف الله عز وجل، والوسيلة العمل الصالح. 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[ سورة الكهف ]

فالعمل الصالح وسيلة، والعلم وسيلة، وإنفاق المال وسيلة، وصحبة الصالحين وسيلة، لكن صحبة الصالحين لا تزيد عن أن هذا الذي تجلس معه يدلَّك على الله مقاله، وينهض بك إلى الله حاله، وفوق ذلك لا يُقبل إطلاقاً. 
 

لا أحد من البشر يعلم الغيب:


لأن الله عز وجل حينما خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام قال له: 

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)﴾

[  سورة الأنعام ]

ليس على وجه الأرض إنسان بما فيهم النبي يعلم الغيب، الآن أيّ إنسان يدّعي علم الغيب، والآن هناك قنوات تؤكد أن هذا الذي تسأله يعلم الغيب، يقول لك: بعد عشرين يوماً سيكون كذا، هذا كذب ودجل وبهتان، إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب لا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يدّعي أنه يعلم الغيب، لذلك:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ))

[ الذهبي: صحيح ]

لذلك:

(( عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. ))

[ غاية المرام: صحيح  ]

ولا دعاء أربعين ليلة، إذاً سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب. 

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾

[ سورة الأنعام ]

لا يوجد بالإسلام درجة إذا بلغها الإنسان لا تضره معصية، مستحيل، إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق يأمره الله أن يقول: ﴿قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ إذاً لا يجرؤ إنسان أن يدّعي ذلك. 
 

لا أحد من البشر يملك ضراً ولا نفعاً:


الآية الثالثة:

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)﴾

[ سورة الجن  ]

إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق لا يملك لنا نفعاً ولا ضراً، هل يستطيع إنسان أن يدّعي ذلك؟ الآن: 

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾

[ سورة الأعراف  ]

إذا كنتُ لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، لذلك أنت بهذه الآيات تركل بقدمك ألف قصة تُخالف هذه الآيات، العلم سلاح، لذلك العلم وسيلة لمعرفة الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾ والعمل الصالح وسيلة، وإنفاق المال وسيلة، وصُحبة الصالحين وسيلة، في حدود أن هذا الصالح لا تزيد مهمته عن أن يرقى بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، وفوق ذلك القدوة هو رسول الله،

(( عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا. ))

[ صحيح البخاري ]

هكذا كان ورع النبي عليه الصلاة والسلام، يا رسول الله مثّل بهم مثّلوا بعمك؟ قال: لا أُمثّل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً، بهذه الآيات يمكن أن تركل بقدمك ألف قصة تتناقض معها، فلذلك: يا بني العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تُنقِصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني مات خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. 
 

ليس بين العبد وربِّه واسطة:


إذاً: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ لم تأتِ في هذه الآية كلمة قل، أي أنه ليس بين العبد وبين ربه وسيط، لذلك الآن معظم الناس خطأ منهم، يقولون لك: أجرِ لي استخارة؟ الاستخارة بينك وبين الله مباشرة، ولا تكون الاستخارة نيابة وبالوساطة، تقول: آنستي عملت لي استخارة، أنتِ أجري استخارة فيما بينكِ وبين الله، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ أنا معكم. 

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾

[ سورة ق ]

أنا أسمع صوتهم، وأرى حركتهم، وأنا مُطَّلع على ما في قلوبهم، إن تكلموا أنا سميع بصير، إن تحركوا أنا سميع بصير، إن أضمروا أنا مُطّلع عليهم، لا تخفى عليه خافية، علم ما كان، وعَلِم ما يكون، وعَلِم ما سيكون، وعَلِم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون. 
 

الدعاء سلاح المؤمن:


﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ أنت بالدعاء أقوى إنسان، الدعاء سلاح المسلم، أي أنت حينما تقول: يا رب، الله عز وجل الذات الكاملة، المطلق بكل شيء، علمه مطلق، وقدرته مطلقة، ورحمته مطلقة، وحكمته مطلقة، أنت تستعين بالله عز وجل، فمهما يكن عدوك كبيراً الله أكبر منه، لذلك يعيش المؤمن حالة ثقة بالله لا تُقدَّر، ولا توصف، لأنه يستعين بالله، كفى بك قوة أن تدعو الله، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، إن أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ أنا معكم.
 

معية الله الخاصة بالمؤمنين لها ثمن:


لكن كما قلت البارحة: معكم بلطف، من دون أن تتضايقوا، معكم وأنتم مرتاحون، معكم بعلمه، مع أي إنسان بعلمه.

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[ سورة الحديد ]

بعلمه، لكنني مع المؤمنين بالتوفيق، وبالحفظ، وبالتأييد، وبالنصر، هذه المعية المعية الخاصة لها ثمن: 

﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)﴾

[ سورة المائدة ]

الثمن أن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنْ في حياته، أو بعد موته، عن طريق تطبيق السنة، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَان﴾ إذا دعاني حقاً، إذا دعاني مخلصاً، إذا اتّكل عليّ، ولم يكن الدعاء شكلياً، ولا أجوفاً، دعاني وهو موقن أنني قادر على إجابته. 
 

شروط الدعاء المستجاب:


لذلك الدعاء يحتاج إلى عناصر، أول عنصر أن توقن أن الله يسمعك، موجود أولاً، ويسمعك ثانياً، وهو قادر على تحقيق دعائك ثالثاً، وهو يُحِبّ أن يرحمك رابعاً، موجود، ويسمع، وقادر، ويحبك، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)﴾

[ سورة الفرقان ]

أي لا يكترث الله بكم لولا أنكم تدعونه، لأن الدعاء هو العبادة، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ من أجل أن يكون عبادي مستجابي الدعوة، من أجل أن تكون أيها المؤمن مستجاب الدعوة، من أجل أن يكون الدعاء سلاحك، من أجل أن تكون أقوى الناس بالدعاء استجب لله بعد أن تؤمن به، آمن به أولاً، واستجب له ثانياً، عندئذٍ تغدو مستجاب الدعوة، إذا آمنوا واستجابوا وأخلصوا في دعائهم لعلهم يكونون من مستجابي الدعوة، وهو مقام كبير في سُلّم الإيمان، فلان مستجاب الدعوة.
إلا أن العلماء استثنوا إنسانين من وجوب تحقق شروط الدعاء، المضطر يستجيب الله له، ولو لم يكن أهلاً للدعاء، يستجيب له لا بأهليته، ولكن برحمته، والمظلوم يستجيب الله له لا بأهليته، ولكن بعدله، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ .
أيها الإخوة؛ الله عز وجل قريب من كل مخلوق، بمعنى لا تخفى عليه خافية، الله عز وجل قريب من كل مؤمن، بمعنى أنه يستجيب له. 
 

الاعتداء والمعصية مانعان من استجابة الدعاء:


الآية الأخرى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾

[ سورة الأعراف ]

أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون معتدياً على خلق الله، وتقول له: يا رب استجب لي، لأن الله عز وجل من خلال هذه الآية يقول لك: لن أستجيب لك، لأنك من المعتدين، لن تستطيع أن تسأل الله شيئاً إلا إذا كنت محسناً، لذلك: 

﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)﴾

[ سورة الأعراف ]

الذي وقع في مخالفة شرعية، وفي أكل مال حرام، وفي تقصير في العبادات لا يستطيع أن يدعو الله، يدعو الله شكلاً بلسانه، لكن قلبه محجوب عن الله عز وجل، وأكبر عقاب يُعَاقب به الإنسان أنه يُحَجب عن الله عز وجل. 

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾

[ سورة المطففين ]

تروي الكتب أن شاباً له شيخ، سمع من شيخه هذه المقولة: إنّ لكل معصية عقاباً، زلّت قدمه، فبحسب مقولة الشيخ هو ينتظر العقاب، مضى يوم، يومان، أسبوع، أسبوعان، لم يحدث شيء معه، صحته طبيعية، بيته، أولاده، زوجته، مركبته لا يوجد شيء، هذه القصة رمزية، في أثناء المناجاة قال: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبنِي؟ قال: قوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ ألا تكفيك ذلك؟ المؤمن له صلة بالله، يسعد بهذه الصلة، فإذا زلت قدمه يحجب عن الله.
الآن الأب العظيم، المربي الحكيم، لا يحتاج إلى أن يضرب ابنه إطلاقاً، يكفي أن يُعرِض عنه، يحترق الابن، يكفي أن تسكت، يكفي ألا تنظر إليه، وهو على الطعام، يكفي ألا تصغي إليه، تُحرقه.
لذلك قالوا: من أطاع عصاك فقد عصاك ، أي الذي لا يطيعك إلا إذا هددته فهو من أعدائك، أما المُحب يخاف على محبة محبوبه.
لذلك أكبر شيء يدفع المؤمن إلى طاعة الله يخاف أن تنقطع الصلة بينه وبين الله، لماذا يستقيم؟ لماذا يحاول أن يكون ورعاً تماماً؟ لماذا يُطبق الأمر تماماً؟ لأنه ينعُم بصلة بالله هي أثمن ما في الحياة، لذلك قال بعض العلماء: مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إنها الصلة بالله.
وهذا العالم نفسه قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يصنع أعدائي بي؟ بستاني في صدري، وقد قال هذا العالم أيضاً: في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، وبعضهم قال: 

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة، إذاً مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها إنها جنة القرب من الله عز وجل، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: 

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

[ سورة محمد ]

في الدنيا، ذاقوا طعمها في الدنيا. 
 

ليس مع الاتصال بالله شقاء:


والله أيها الإخوة؛ مع الاتصال بالله ليس هناك شقاء أبداً، في أي ظرف، في أي مكان، في أي بلد، في أي نظام، في أي ثقافة، في أي ضغوط، إن كنت مع الله كان الله معك، إن كنت مع الله كنت في حماية الله. 

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــا             فإنا منحنا بالرضا مـن أحـبنــا

ولُذ بحمانا واحـــتــــمِ بجنابنــا             لنحميك مما فيه أشرار خـلقنــا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغــل             وأخلص لنا تلقى المسرة والهنا

وسلِّم إلينا الأمر في كل ما يكن             فما الـقرب والإبعاد إلا بأمرنـا

[ علي بن محمد بن وفا ]

* * *

أيها الإخوة؛ القرب إما قرب علم لكل الخلق، أو قرب إكرام للمؤمنين، ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ أي أنا معك. 

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)﴾

[ سورة طه ]

أحيانا لا يكون هناك تناسب إطلاقاً، شرذمة قليلة مضطهدة، تعُامَل معاملة في الدرجة العاشرة، ليس لها أي حق، عليها كل واجب، شرذمة قليلة، وفرعون بجبروته، وقوته، وحقده، وأسلحته، وإصراره على سحق هؤلاء، لا يوجد تناسب، ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى﴾ سيدنا موسى وأخوه:

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)﴾

[ سورة طه ]

سيدنا موسى مع أصحابه.

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾

[ سورة الشعراء ]

انتهينا، كم مسلم يقول: الآن انتهينا؟ يقول لك: قوى الأرض تحاربنا، العالم كله يحاربنا، انتهينا.

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[ سورة الشعراء ]

والله أيها الإخوة؛ أخشى ما أخشاه أن تضعُف الهمم من الداخل، أن نُهزم من الداخل، من الخارج لا قيمة لهذا الذي يجري، إن شاء الله سحابة صيف.

﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾

[ سورة الأعراف ]

وينتهي أجل هؤلاء، ويُحِقّ الله الحق، ويبطل الباطل، لكن الخطر أن نُهزم من الداخل، إذاً: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ .
 

الله قريب فادعُه:


إخواننا الكرام؛

(( النعمان بن البشير رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: الدعاء هو العبادة. ))

[  فتح البيان: ثابت ]

وقرأ: 

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

[ سورة غافر ]

فقال أصحابه: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ هذا عن قرب الله منك، عن قرب الله القرب الذي يعلم سرك ونجواك، وعن قرب الله القرب الذي يُكرمك، بالتوفيق، والتأييد، والنصر.
 

المحسن قريب من الله:


ماذا عن قربك منه؟ هو قريب منك هل أنت قريب منه؟ متى تقترب من الله؟ اسمعوا الحديث الشريف،

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ، قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ، بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ. ))

[  الترمذي: مرسل: أي منقطع ]

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ إن كنت محسناً فأنت قريب من الله، الإحسان المطلق، أن تُحسِن في بيتك، النبي عليه الصلاة والسلام يستوصيك بالنساء خيراً، أن تُحسِن إلى أولادك، أن تُحسن إلى جيرانك، أن تُحسن في عملك، أن تقدم شيئاً جيداً بسعر معتدل، بمعاملة طيبة، الإحسان واسع جداً،

(( عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي اللّه عنه: إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ. ))

[ صحيح الترمذي ]

صفة المؤمن أنه محسن، وصفة غير المؤمن أنه مسيء، وشتان بين الإحسان والإساءة، أي عمله يُقيّم إجمالاً، في كلامه مُحسن، في ابتسامته مُحسن، في أخلاقه مُحسن، مع أقرب الناس له، مع زوجته مُحسن، مع أولاده محسن، مع بناته مُحسن، كأن المؤمن في قلوب الخلق، هذا معنى قوله تعالى للتقريب: 

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)﴾

[ سورة النحل ]

هناك إنسان ليس له عمل صالح أبداً، الناس يستوحشون منه، هناك إنسان الناس جميعاً يحبونه، لذلك من علامة حبّ الله لك أن يُلقي محبتك في قلوب الخلق. 

ينادى له في الكون أنا نحبه                 فيسمع من في الكون أمر مُحبنا

[ علي بن محمد بن وفا ]

* * *

وهذا معنى قوله تعالى: 

﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)﴾

[ سورة طه ]

أي جعلت الخلق يحبونك، هناك إنسان مبغوض، لا يحبه أحد، متكبر، أناني، يحب ذاته، يحب أن يأخذ لا أن يعطي، يحب أن يستعلي لا أن يتواضع، فلذلك صفات المؤمن تُؤهله أن يكون محبوباً عند كل الخلق.
اسم القريب أيها الإخوة؛ يجب أن يكون قريباً من المؤمن لأنه معك، تسأله فيجيبك، تتقرب منه فيقبلك، تستعين به فيعينك، تتوكل عليه فهو حسبك ونعم النصير، لذلك من عرف الله عرف كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور